الحكم السعودي القائم على منشار العظام والدمار الذي لا حصر له!

إن اغتيال جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول يجسِّد نهج الحُكم بالقتل والفوضى في الدول العربية الحديثة. إن الحكم بالقتل، أو بعبارة أدق القتل بمنشار العظام والمنشار الآلي أمراً مدرجاً في هياكل الدولة من قبل النخب الحاكمة التي تتعهد بالتمسك بالسلطة من خلال التخلص من كافة المعارضين بأي طريقة ممكنة، بما في ذلك أفراد عائلة النخبة الحاكمة نفسها. إن النخب الحاكمة، أو بعبارة أدق العصابات الحاكمة التي تحكم بالأعلام والأختام قد استولت على الحكم قبل حوالي مائة عام، واستولت على الأراضي والمجتمعات بنفس الطريقة التي يطالب بها شخص ما بشيء شخصي خاص به ليتصرف به كما يحلو له بدون ايلاء أدنى اعتبار للعواقب القصيرة أو الطويلة الأمد المترتبة على ذلك.

إن جعل هذه السخافة أمراً ممكناً ومتواصلا يكون بالميل الى إلباس الفوضى والفساد المستمر لباس الإسلام، أي العباءة الدينية الشرعية التي تضمن إذعان الأسرى الذين يطلق عليهم مجازياً اسم المواطنين. إن الأزمة الحالية التي تعيشها الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية هي نهجاً نموذجياً للحكم في المنطقة، والمصالح الغربية التي تحميها وتغذيها، تعتبر السبب الحقيقي للدمار الجاري والحروب المتواصلة في المنطقة. إن قرار اغتيال جمال خاشقجي وتقطيع جسده ليس قراراً صادراً من عميل مخابراتي متدني المستوى أو حتى من مجموعة من العملاء؛ ولكن تم اتخاذ هذا القرار على أعلى مستويات الحكومة، ويعكس أهواء الحاكم الذي يمتلك مقاليد الأمور ولا يرى أي مواطن له الحق ان يسئل من اين لك هذا.

إن اغتيال جمال خاشقجي ليس أمراً مستغرباً أو غير عادياً في منطقة باتت معتادة على سفك الدماء كوسيلة وحيدة للحكم. دمار المنطقة العربية أزهق ملايين الأرواح، وهجَّر الملايين من اللاجئين، ونفى ودمر الأفق المستقبلي للأجيال القادمة أو كلا الجيلين الحالي والقادم. إن اغتيال خاشقجي في القنصلية السعودية التي تعتبر ملاذاً للمواطنين السعوديين في دولة أجنبية ما هو الا نهج حاكم قائم على القتل يقع ضمن نطاق المعيار السائد داخل حدود الأراضي السيادية نفسها.

إن هذا الاغتيال جريمة بشعة وصادمة، ولكن فلنكن دقيقين في توضيح أن القتل هو السياسية الوحيدة التي باتت المعيار المتبع للنخب الحاكمة حول العالم. وفي حالة الولايات المتحدة، فإن استخدام الطائرات المسيّرة التي تعتبر الأداة الأكثر تطوراً لحُكم العالم، وكذلك إقامة نظاماً موسعاً للتعذيب وتسليم الأشخاص ونقلهم من مكان غير معلوم الى الاخر الذي أفسد مواد اتفاقية جنيف الرابعة. بالإضافة الى أمثلة أخرى حديثة تشمل روسيا والصين والفلبين، ولكن بالتأكيد ربما يتم ابرام القرنين التاسع عشر والعشرين والاستعمار الأوروبي كمستند قانوني (أ) في أي حالة من الأحوال لاحترام كامل للكرامة الإنسانية، ولكن هذا ليس هو موضوع هذا المقال.

أنا صارم جداً في هذه النقطة وناقد مباشر ضد الطغاة العرب؛ لأنهم يُلبسون أفعالهم وميولهم نحو القتل والفوضى رداء الإسلام، الأمر الذي يجب ان يعتبر الكارثة الحقيقية. والأهم من ذلك، ميولهم نحو التشويش على اخفاقاتهم في الحكم باستخدام النصوص الإسلامية التقليدية لالتماس إذعان وصمت المجتمع. وغالباً ما يعتبر الحكم بالقتل كمحاولة من محاولات الحفاظ على الإسلام من الجهات الداخلية التي تسعي الى القضاء عليه، ولكن لم نتوقف مرةً للتفكير بحقيقه أنهم السبب الرئيس في تجريد الإسلام من معانيه الأخلاقية والأدبية. إن ثلاثمائة مليون من اجمالي السكان العرب باتوا رهائناً لدورة لامتناهية من الاضطهاد، والعنف الدولي المنظّم، والحكم القائم على نهج القتل.

ومباشرة بعد الاغتيال وتقطيع الجثة، فإن التغطية على آثار الجريمة شملت سخافات مثل أن السبب الرئيسي في اغتيال جمال خاشقجي هو ارتباطه المفترض بالإخوان المسلمين، وبأنه جزء من عملية استخبارية، وضيف دائم للجهات التي تشهِّر وتشوه سمعه للشخصيات الهامة في الوطن العربي. وحتى لو افترضنا أن هذه المحاولة الغبية التي تسعى الى التعتيم على الجريمة بأنها صحيحة، والتي هي عكس ذلك، فإنها ليست سبباً لاغتيال الضحية وتقطيعها. وقد أصبح من الشائع الآن بين أوساط الطغاة العرب الصاق مسمى الاخوان المسلمين على أي شخص يعارضهم أو يقاوم نظام حكمهم المبني على القتل.

وخلال السنوات الأربعين الماضية، لقد أزهق الدمار اللامتناهي حياة ما يقرب من 4 الى 7 ملايين عربي. إن التدمير والحكم القائم على القتل في المنطقة العربية يشمل دمار العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان والصومال، وتيسير الحصار المفروض على غزة وفلسطين كلها، والدعم المتواصل لإسرائيل وتمكينها ضد الفلسطينيين.

المنشار الآلي هو تمثيل رمزي لبنية الدولة في المنطقة العربية، الذي يوظف موارد وسلطة الدولة في التخلص من مفكريها وعلمائها إما بقتلهم أو سجنهم أو نفيهم. وبصورة منتظمة، فإنني أشهد، وبشكل مباشر، بأن الدمار الذي خلفه الطغاة العرب يتمثل بموت الأبرياء في أعالي البحار، وفي مخيمات اللجوء، وشوارع المنطقة بأسرها، فضلاً عن أوروبا والولايات المتحدة وكندا. إن الشباب والمسنين، والمتعلمين، والأفراد الذين فروا من مزارعهم في المنطقة العربية، يقبعون في خيام على أرصفة أوروبا، ولا يوجد لديهم المأكل والمشرب، وذلك بسبب أن الحكم القائم على القتل والتشريد هو الخيار المتوفر حالياً. إن طغاة المنطقة العربية يحتقرون شبابهم، ويحتقرون المفكرين، ويحطمون طموحات وابداعات العلماء، ويسرقون ثروات رجال الأعمال، ويطالبونهم بالطاعة غير المشروطة، الأمور يتم تبريرها كافة بالاحتكام الى النصوص الدينية والسلطة.

وحتى قبل الفترة الراهنة، أرسلت المنطقة العربية خيرة ناسها وشبابها لقتال الروسيين في أفغانستان في مرحلة الحرب الباردة انتقاماً لخسارة الأمريكان في فيتنام. أجل، تمت دعوة الشباب والنبهاء للخدمة العسكرية من قبل الطغاة العرب وتم تسخينهم بالجنون الديني، وتحولوا الى آلات قتل، وأصبحوا أطلالاً لإنسانيتهم في سبيل تصفية الحسابات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. الجهاد حسب الطلب في خدمة الإمبراطورية!

والأكثر خبثاً أن نفس الطغاة العرب الذين أرسلوا خيرة شبابهم الى الجهاد في الحرب الباردة، قاموا باعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم ونفي الجيل بأكمله الذي عاد من خدمة الإمبراطورية بعد انتهاء العملية. لقد وظف الطغاة العرب ذات النهج لإشعال فتيل الحرب العراقية الإيرانية لما يزيد عن ثمانية سنوات، وخلاله قاموا بتخفيف رتب أفضل شبابها البالغ عددهم 2.5 مليوناً بينهم القتيل والمشوه والمعاق لمدى الحياة.

كافة المناطق حول العالم شهدت حروباً وصراعات، لكن المنطقة العربية قدِّر لها الموت والدمار بصفتهما الأداة الوحيدة للحكم. نحن لا يوجد لدينا مواطنين، بل أجساد تنتظر أن يُضحّى بها من أجل طاغية تلو الآخر؛ ليصعد على كومة من الجماجم ويطالب بعباءة الزعيم الأعلى للجميع. إن المحكومين ليس لديهم دوراً الا الانتظار حتى مناداة رقمهم لمواجهة الموت بالمنشار الآلي وإذعانهم أحياءً أم أموات.

إن اغتيال جمال خاشقجي ما هو الا مأساة كوميدية ينبغي عرضها في الأوبرا؛ لأنها تعكس وتفضح الحكم القائم على القتل في المنطقة العربية. والأمر الأكثر مأساة هو فشل محاولات التعتيم على الجريمة، واخفاق إدارة العلاقات العامة التي تعكس عدم الكفاءة الكلية وتجاهل سيادة القانون. إن الاغتيال السياسي والقضاء على الشخصيات المعارضة ليس أمراً فريداً من نوعه في المنطقة العربية، بل له وجوداً في التاريخ، ولكن الأمر المنقطع النظير هي طريقة القتل ومحاولات التعتيم على الجريمة وانعدام الكفاءة.

والجزء الأكثر شناعة في هذه الجريمة هو محاولة حمايتها والباسها الزي الديني. إن النهج الأفضل لتقييم سلوك المملكة العربية السعودية بأنه سلوك دولة تم اتخاذه من قبل نخبة حاكمة في دولة قومية حديثة؛ بدلاً من تقديم أو عرض الإسلام أو الإسلام المعرفي بوصفه عاملاً لإضفاء أو نزع الشرعية. ومن هنا، فإن المحاولات المستمرة في النظر الى سلوك هذه الدول وقادتها من خلال تفحُّص الإسلام أو القانون الإسلامي بدلاً من فهم صياغتها كدول قومية حديثة متمركزة حول العائلات الحاكمة. إن الإسلام نفسه بات ضحية عندما تم استخدامه للتأثير على تقييم هذه البنى. إن الإسلام، والقانون الإسلامي، وأخلاقياته لا علاقة له بما يحدث، ويجب عدم السماح للنخب الحاكمة بالتستر وراء أي جانب من جوانب الدين. إن الخيار بين الإسلام والتستر على جريمة مرتكبة من قبل حاكم مستبد، يجب أن يكون الإسلام وقواعده الأخلاقية دائماً.

إن الاغتيال جريمة كافية بالنسبة للطاغية ليرتكبها، لكن عندما تتستر عليها الشخصيات الدينية، فإنهم بذلك يرتكبون جريمة بحق الإسلام نفسه، ويقتلون معانيه الأخلاقية والمعنوية في أذهان الملايين من الناس حول العالم. إن مبادئ الحكم هي مبادئ عالمية، وعلى الرغم من الاختلاف في الأسس المعرفية للقوانين المستخدمة من قبل كل مجتمع، فإنها تشمل تطبيق العدالة، وأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته، والمساواة في القانون بين الحاكم والمحكوم، والشفافية، ومساءلة الجميع. لقد حان الوقت للمنطقة العربية بأن تضع حداً لإنهاء أشكال استبداد الحكومات، وتبني أفضل ممارسات الحُكْم العالمية، وتبني المواطنة، والمساواة، وسيادة القانون، وتطبيقه على الجميع.